لمحة عن تاريخ مدينة قوص
موقع المدينة
مدينة قوص هي اليوم قاعدة مركز قوص بمحافظة قنا، وتقع على البر الشرقي للنيل، جنوب محافظة قنا وبجوار مدينة قفط وشمال محافظة الاقصر، ويقابلها على الجانب الغربي من النيل مدينة ومركز نقادة.
قوص مدينة لها تاريخ حافل فقد كانت عاصمة للصعيد في العصور الوسطى ومقبل ومحط كل الوافدين ومعبر الحجاج إلى البحر الاحمر، قوص مدينة العلم والعلماء هي مدينة ومركز بمحافظة قنا. وتقع على الساحل الشرقي من النيل جنوب القاهرة بحوالي 645 كم، عدد سكانها 349.810 نسمة طبقاً لتعداد الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2005 م.
القرى التابعة لمركز قوص هي:
العليقات، حجازه قبلي، جزيرة مطيرة، المسيد، عباسة، المعرى، الكلالسة، العقب، الشعراني، الحلة، الخرانقة، المقربية، الحمر، الجعافرة، الحراجية، الكراتية، المقارين، خزا، الجمالية، المخزن، المفرجية، شنهور، كوم سخين.
قوص في كتب المؤرخين
قوص ذكرها العديد من المؤرخين والرحالة، فقد جاء في كتاب “القاموس الجغرافي” حيث قال جوتيه في قاموسه ان اسمها المصري “Hot Hor” أي قصر الاله “هوريس” واسمها المدني “Qes” ووردت باسم “”Qs و “Qst”، واسمها الرومي “Apollonopolis Vicus” نسبة الى الامبراطور دقلديانوس الروماني واسمها القبطي “Qous” ومنه اشتق اسمها العربي الحالي “قوص”، ويقال لها ايضا قوص “واروير” او “بربيبر” Berbir Qous” ” ومعنها قوص الحارة.
وجاء ذكرها أيضا على لسان ابو المكارم حيث قال في كتابه ان مدينة قوص والتي تفسيرها الكفن، حيث كان يتم فيها تكفين الملوك، وهذه المدينة بناها “قوس ابن فقط” ليسافر عنها في الغرب الى الواحات وفى الشرق الى معادن التبر والزمرد والى الحجاز.
الكرسي الاسقفي بمدينه قوص
اخبار اساقفه الكرسي الاسقفي بمدينة قوص، المتاح معرفتها في القرون الاولي (قبل القرن 7 الميلادي) قليله جدًا، ولا تزيد عن معرفة اسماء خمسة من اساقفتها ما بين اوائل القرن الخامس، واوائل القرن السابع الميلادي، ثم تتوقف اخبار اساقفتها لمدة نحو 450 عامًا كانت فيها مدينة فقط (الواقعة الي الشمال منها وليست ببعيده عنها) كرسيًا اسقفيًا مزدهرًا بسلسلة متصلة من الأساقفة.
أهمية قوص
وتعد مدينة قوص التابعة لمحافظة قنا في صعيد مصر أقدم بقعة سياحية في أرض مصر، وهي من أكبر وأقدم المدن بصعيد مصر الجواني والمتاخمة لمدينة الأقصر، وقد نشأ وتربى فيها لفيف من مشاهير أهل العلم والفكر والأدب. تروي بعض الكتب انه ايضاً ولد وتربى فيها موسى النبي والملك العظيم مينا نارمر– موحّد القطرين، ونفرتاري الملكة العظيمة زوجة الفرعون رمسيس الثاني، والملك أحمس – الذي طرد الهكسوس من مصر.
زارها الرحالة، وكتب عنها المؤرخون، وأقام فيها الأمراء والقضاة والأعيان، واستوطنها العلماء والأولياء، وغيرهم من ذوي الشأن فزارها ابن خلدون وابن بطوطة وخليل مطران وحافظ إبراهيم، وكتب عنها الرافعي والمنفلوطي وعباس العقاد.
و(قوص) كلمة فرعونية معناها “مدينة العلم” حيث كانت مقراً للكهنة والكُتّاب والحكماء والفلاسفة إبان عصور الفراعنة ونستطيع تقدير أهمية مدينة قوص في العصور الوسطى إذا عرفنا أنها كانت مقرا لحاكم الصعيد وأن بها دارا لضرب النقود كما كانت مدينة قوص مزدهرة ومنتعشة اقتصاديا، كذلك كانت متقدمة ثقافيا وعلمياُ أنشئت بها المدارس والمعاهد منذ زمن بعيد جدا، وقد تخرج في تلك المدارس والمعاهد لفيف من العلماء والفقهاء والأدباء والخطباء والكتاب المشاهير الذين ما زالت المدارس والميادين تحمل أسماءهم وألقابهم ولا تزال هذه الآثار باقية إلى يومنا هذا
اولاً: قبلة للعلماء
عن جدارة واقتدار استحقت مدينة قوص أن يطلق عليها لقب مدينة العلم والعلماء حيث كانت زيارة قوص أو الإقامة بها إبان تلك العصور حلما طالما صال وجال بخيال وعقول الرحالة والفلاسفة والشعراء والخطباء والبلغاء والحكماء, سعيا للنهل من ينابيع علمائها ونيل شرف الالتحاق بمدارسها الشهيرة, فجاء إليها الداني والقاصي من كل حدب وصوب, واستحقت عن جدارة ألقاب قلعة العلم وقبلة العلماء فجاء إليها من بلاد المغرب العربي الكثير من طالبي العلم، كما كانت قوص مستقرا لمشاهير علماء كثيرين ومقرا لقاضي قضاة مصر، وبالطبع لم يكن مثل هذا التاريخ الزاخر يمر دون أن ينال اهتمام مشاهير الرحالة أمثال ابن جبير وابن بطوطة، وإذا كان لعلماء قوص نصيب الأسد بين علماء الصعيد فإنه لم يفوت أي مؤرخ أو عالم الفرصة دون أن يتناول هذا التاريخ وبالطبع كانت قوص محل اهتمام علماء ورحالة ومؤرخي العالم أمثال هيرودوت، ولم يكن المستشرق الفرنسي جان كلود جارسان هو الوحيد الذي استحوذت قوص علي اهتمامه بل سبقة مستشرقين من كافة جنسيات المعمورة منهم إمري وسوننيني وجيرار وفيفان ومارينو وسانودو وبيجولوتي وغيرهم الكثير.
ثانياً: دار سك العملة بمدينة قوص
وقد كان للخليفة الأمر بالله اهتمام خاص بذهب المناجم، فشجع اهل المدينة على استخراج أكبر كميه منها. ويبدو اهل المدينة استجابوا لطلبه واستخرجوا كميات كبيرة من الذهب حتى ان الخليفة الآمر بالله بنى دارا لسك النقود الذهبية بمدينه قوص سنه 523هـ لتكون بالقرب من موطن استخراج الذهب، وكان صك النقود شارة من شارات الملك في ذلك الوقت، وفى ايام الخليفة العاضد اخر الخلفاء الفاطميين ضعفت القدرة على استخراج الذهب، ويقول الادفوي في تاريخه: إنه عثر في سنة 672 هجرية في عصر السلطان الظاهر بيبرس على نقود مدفونة في مدينة قوص، وأنها ترجع إلى ألف وثلاثمائة سنة إلى أوائل العصر الروماني.
ثالثاً: الموقع الجغرافي والسياسي
تلك المدينة التي أرخ لها العديد من الرحالة والمؤرخين والجغرافيين وأشادوا بمكانتها العلمية والتجارية والجغرافية ومكانتها الحربية أيضا فقد كانت في عهد السلطان قلاوون قلعة حربية بحكم موقعها الجغرافى بين بلاد المشرق والمغرب وكان لها فضل كبير في هزيمة ملك النوبة (سمانون) الذي تمرد على السلطان قلاوون فسار الجيش من قوص وعلى رأسه المماليك السلطانية في قوص بالإضافة إلى أجناد مركز قوص وعربان الإقليم، فاكتسبت على مر العصور سيرة طيبة عطرة يفخر بها أبناؤها جيلاً بعد جيل.
كما كانت قوص مقر والي الصعيد الأعلى وواليها أهم الولاة وأهم منصب بعد الوزارة، وفي العهد المملوكي كان والي قوص له الصدارة في المواكب الرسمية حتى علي والي الغربية وهو أهم ولاة شمال مصر، ووالي قوص يتمتع بامتياز النفير السلطاني بصفته نائبا للسلطنة، حيث كانت ولاية قوص هي الدرجة الأعلى في سلم ترقية الأمراء في أي مدينة أخري
فها هو الرحالة الفارسي (خسرو) يؤرخ لها في عصر الدولة الفاطمية وهو في طريقه إلى أسوان متجهاً إلى بلاد المشرق في رحلته المعروفة (سفرنامه) وهي كلمة فارسية بمعنى كتاب الرحلة يصف فيه مبانيها قائلاً: (ومن هنا بلغنا مدينة تسمى قوص رأيت فيها أبنية عظيمة من الحجارة تبعث على العجب وهي مدينة قديمة محاطة بسور من الحجر وأكثر أبنيتها من الحجارة الكبيرة) ويستعجب (خسرو) كثيراً وهو يتأمل ضخامة هذه الحجارة وكيف نقلت إليها رغم عدم وجود جبل أو محجر قريب منها.
الخاتمة
ومما سبق يتضح لنا أن مدينة قوص حظيت بما لم يحظ به غيرها من المدن في التأريخ لها وذلك بحكم موقعها الجغرافى ومكانتها كعاصمة للصعيد فضلا عن مكانتها العسكرية والسياسية المتفردة لأربعة قرون كاملة استحقت فيها عن جدارة لقب قلعة العلم وقبلة العلماء. وتباري في وصفها الرحالة وتغني بها الشعراء وتغزل فيه الأدباء والبلغاء والفلاسفة والخطباء، فسارعوا لمعرفة أسراره المبهرة، كما شد الرحال إليها من كل حدب وصوب طلاب العلم من مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف أنسابهم وأعراقهم وألسنتهم، وكانت المحصلة الرائعة لكل ذلك ثراءا هائلا للمكتبة العربية من أمهات الكتب والمراجع التاريخية والأطالس التي تشرح هذا العهد الزاهر لقوص الذي كانت شهرتها فيه تضارع شهرة القاهرة والفسطاط.
لابد أن تشعر بمدي الظلم التاريخي الذي تعرضت له قوص، بل ولا زالت تتعرض له في عصرنا الحديث، ولايمكن بأي حال من الأحوال تصنيفها سوي مدينة من الدرجة العاشرة بالمقارنة بقريناتها من المدن التاريخية الأخرى
فقد أوقعها حظها العاثر بين شقي رحى فشمالها مدينة قنا عاصمة المحافظة والتي توجه لها الغالبية العظمي من الاهتمام وجنوبها الأقصر المدينة المتحف التي تحتضن ثلث آثار مصر وربع آثار العالم، فمدينة قوص كان لها شأنها عبر العصور، والدليل على ذلك قيام الخليفة المأمون بإنشاء مقرا لصك العملة بقوص لتصبح المدينة الخامسة لصك العملة إلى جانب القاهرة والإسكندرية والفسطاط وعسقلان، كذلك لم يشأ السلطان أيبك أن يرسل في حملته إلا نوابغ أمرائه فارس الدين أقطاي والأمير عز الدين الأفرم.